فصل: مراثي الرسول صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستيعاب في معرفة الأصحاب **


  محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولنبدأ بذكره صلى الله عليه وسلم لم يختلف أهل العلم والأنساب والأخبار وسائر العلماء بالأمصار أنه صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان هذا ما لم يختلف فيه أحد من الناس وقد روي من أخبار الآحاد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نسب نفسه كذلك إلى نزار بن معد بن عدنان وما ذكرنا من إجماع أهل السير وأهل العلم بالأثر يغني عما سواه والحمد لله‏.‏

واختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وفيما بين إبراهيم وسام بن نوح بما لم أر لذكره هاهنا وجهاً لكثرة الاضطراب فيه وأنه لا يوقف منه على شيء متتابع متفق عليه وهم مع اختلافهم واضطرابهم مجمعون على أن نزاراً بأسرها وهي ربيعة ومضر هي الصريح الصحيح ومن ولد إسمعيل على ما ذكرنا أصح ما قيل في نسبة إلى آدم صلى الله عليه وسلم وقال أبو الأسود محمد ابن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه إنما ننتسب إلى معد وما بعد لا ندري ما هو وقال ابن جريج عن القاسم ابن أبي بزة عن عكرمة أضلت نزار نسبها من عدنان وقال خليفة بن خياط عن ابن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس بين معد بن عدنان إلى إسمعيل ثلاثون أبا وليس هذا الإسناد بما يقطع بصحته ولكنه عمن علم الأنساب صنعته‏.‏

فأما عشيرته صلى الله عليه وسلم ورهطه وبطنه الذي تميز به من سائر بطون قريش وهاشم فقد ذكرنا بالأسانيد الحسان والطرق الصحاح قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ‏"‏‏.‏

وقد ذكرنا في كتاب الإنابة على القبائل الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضاف إلى هذا الكتاب والحمد لله‏.‏

واسم هاشم عمرو وإنما قيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه فيما زعموا واسم قصي زيد هذا هو الأكثر وقد قيل يزيد وإنما قيل له قصي لأنه تقصى مع أمه وهي فاطمة بنت سعد من بنى عذرة ونشأ مع أخواله من كلب في باديتهم وبعد في مغيبة ذلك عن مكة فسمي بذلك قصياً والله أعلم‏.‏

وكان يدعى مجمعاً لأنه جمع قبائل قريش بمكة في حين انصرافه إليها وقد ذكرنا ذلك في صدر كتاب القبائل وقد قيل اسم عبد مناف المغيرة ويكنى أبا عبد شمس وأما عبد المطلب فقيل أسمه عامر ولا يصح والله أعلم وقيل اسمه شيبة وقيل بل اسمه عبد المطلب وكان يقال له شيبة الحمد لشيبة كانت في ذؤابته ظاهرة ومن قال اسمه شيبة قال إنما قيل له عبد لمطلب لأن أباه هاشماً قال لأخيه المطلب وهو بمكة حين حضرته الوفاة أدرك عبد المطلب بيثرب فمن هناك سمي عبد المطلب ولا يختلفون أنه يكنى أبا الحارث بابنه الحارث وكان أكبر ولده وأمه سلمى بنت زيد قيل بنت عمرو بن زيد من بنى عدي بن النجار ويقال إنه أول من خضب بالسواد‏.‏

وأخبرنا خلف بن قاسم قال أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي قال أخبرنا أبو العباس محمد ابن إسحاق ابن إبراهيم السراج قال أخبرنا عبيد الله بن سعد الزهري قال أخبرنا أحمد بن محمد بن حنبل قال سمعت الشافعي يقول اسم عبد المطلب شيبة بن هاشم وهاشم اسمه عمرو بن عبد مناف وعبد مناف اسمه المغيرة بن قصي وقصي اسمه زيد ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي قال وسمعت الشافعي يقول أبو طالب اسمه عبد مناف بن عبد المطلب‏.‏

قال أبو عمر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب ابن عبد ناف بن زهرة بن كلاب بن مرة قرشية زهرية تزوجها عبد الله ابن عبد لمطلب وهو ابن ثلاثين سنة وقيل بل كان يومئذ ابن خمس وعشرين سنة خرج به أبوه عبد المطلب إلى وهب بن عبد ناف فزوجه ابنته وقيل كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف بن زهرة فأتاه عبد المطلب فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه وخطب على ابنه عبد الله آمنة بنت وهب فزوجه وزوج ابنته في مجلس واحد فولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وولدت هالة لعبد المطلب حمزة فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة ثويبة جارية أبي لهب وأرضعت معهما أبا سلمة بن عبد الأسد فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم ثويبة وكانت تدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن تزوج خديجة وكانت خديجة تكرمها وأعتقها أبو لهب بعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر فبلغت وفاتها النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عن ابنها مسروح وبلبنه أرضعته فقيل له قد مات فسأل عن قرابتها فقيل له لم يبق منهم أحد‏.‏

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا علي بن مسهر عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة فقال‏:‏ ‏"‏ إنها ابنة أخي من الرضاعة وإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ‏"‏‏.‏

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن بن عباس قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ألا تتزوج ابنة حمزة ‏"‏ قال إنها ابنة أخي من الرضاعة‏.‏

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة قالت يا رسول الله إنا قد حدثنا أنك ناكح درة بنت أبي سلمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أعلى أم سلمة لو أني لم أنكح أم سلمة لم تحل لي إن أباها أخي من الرضاعة ‏"‏‏.‏

ثم استرضع له صلى الله عليه وسلم في بني سعد بن بكر حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وردته ظئره حليمة إلى أمه آمنة بنت وهب بعد خمس سنين ويومين من مولده وذلك سنة ست من عام الفيل فأخرجته آمنة إلى أخوال أبيه بني النجار تزورهم به بعد سبع سنين من عام الفيل ووفيت أمه آمنة بعد ذلك بشهر بالأبواء ومعها النبي صلى الله عليه وسلم فقدمت به أم أيمن مكة بعد موت أمه بخمسة أيام وسنذكر خبر حليمة وخبر أم أيمن من بابهما في كتاب النساء في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى‏.‏

ولادته وقال الزبير حملت به أمه صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى وولد صلى الله عليه وسلم بمكة في الدار التي كانت تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وقيل بل ولد يوم الاثنين في ربيع الأول لليلتين خلتا منه قال أبو عمر وقد قيل لثمان خلون منه وقيل إنه ولد أول اثنين من ربيع الأول وقيل لاثنتي عشرة ليلة خلت منه عام الفيل إذ ساقه الحبشة إلى مكة جيشهم يغزون البيت فردهم الله عنه وأرسل عليهم طيراً أبابيل فأهلكتهم‏.‏

وقيل أنه ولد في شعب بني هاشم ولا خلاف أنه ولد عام الفيل يروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل وهذا يحتمل أن يكون أراد اليوم الذي حبس الله فيه الفيل فيه عن وطء البيت الحرام وأهلك الذين جاءوا به ويحتمل أن يكون أراد بقوله يوم الفيل عام الفيل وقيل ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدوم الفيل بشهر وقيل بأربعين يوماً وقيل بخمسين يوماً فأما الخوارزمي محمد بن موسى فقال كان قدوم الفيل مكة وأصحابه لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم وقد قال ذلك غير الخوارزمي أيضاً وزاد يوم الأحد قال وكان أول المحرم تلك السنة يوم الجمعة‏.‏

قال الخوارزمي وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بخمسين يوماً يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول وذلك سنة إحدى وأربعين عام الفيل فكان من مولده صلى الله عليه وسلم إلى أن بعثه الله تعالى أربعون سنة ويوم ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يوماً وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من أول عام الفيل‏.‏

أخبرنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وخرج من مكة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وكانت بدر يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين صلى الله عليه وسلم وشرف كرم‏.‏

  غزواته

قال أبو عمر رضي الله عنه الأكثر على أن وقعة بدر كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان وما رأيت أحداً ذكر أنها كانت يوم الاثنين إلا في هذا الخبر من رواية لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش ولا حجة في مثل هذا الإسناد عند جميعهم إذا خالفه من هو أكثر منه‏.‏

قال الخوارزمي وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً يوم الاثنين وهو اليوم الثامن من ربيع الأول سنة أربع وخمسين من عام الفيل وهي سنة إحدى من الهجرة يوم عشرين من أيلول فكان مبعثه صلى الله عليه وسلم إلى يوم هاجر ودخل المدينة ثلاث عشرة سنة كاملة ومكث بالمدينة عشر سنين وشهرين إلى أن مات وذلك يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول سنة أربع وستين من عام الفيل ومن الهجرة سنة إحدى عشرة وهذا كله قول الخوارزمي وهذا الذي قال هو معنى قول ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشر سنة يعني بعد البعث وبالمدينة عشر سنين ويشهد بصحة ذلك قول أبي قيس صرمة بن قيس الأنصاري‏:‏ ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى صديقاً مواتيا ويعرض في أهل المواسم نفسه فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا فلما أتانا واستقرت به النوى وأصبح مسرورا بطيبة راضيا وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم بعيد ولا يخشى من الناس باغيا بذلنا له الأموال من جل مالنا وأنفسنا عند الوغى والتآسيا نعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعاً وإن كان الحبيب المواتيا ونعلم أن الله لا شيء غيره وأن كتاب الله أصبح هاديا وروينا هذه الآبيات من طرق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري وهذا أكمل الروايات فيها‏.‏

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا قاسم بن محمد إملاء قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال سمعت عمرو بن دينار قال قلت لعروة بن الزبير كم لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال عشر سنين فقلت إن ابن عباس يقول لبث بمكة بضعة عشرة سنة فقال إنما أخذه من قول الشاعر‏.‏

قال سفيان بن عيينة وأخبرنا يحيى بن سعيد قال سمعت عجوزاً من الأنصار يقول رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة بن قيس يتعلم منه هذه الأبيات‏:‏ ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى صديقاً مواتيا فذكر الأبيات كما ذكرتها سواء إلى آخرها قال أبو عمر ومات أبوه عبد الله بن عبد المطلب وأمه حامل به وقيل بل توفي أبوه بالمدينة والنبي صلى الله عليه وسلم ابن ثمانية وعشرين شهراً وقبره بالمدينة في دار من دور يني عدي بن النجار وكان خرج إلى المدينة يمتار تمراً وقيل بل خرج به إلى أخواله زائراً وهو ابن سبعة أشهر وقيل بل توفي أبوه وهو ابن شهرين فكفله جده عبد المطلب وفي خبر سيف بن ذي يزن مات أبوه وأمه فكفله جده وعمه وقد قيل إن عبد الله ابن عبد المطلب توفي والنبي صلى الله عليه وسلم ابن ثمانية وعشرين شهراً‏.‏

وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال بعث عبد المطلب ابنه عبد الله يمتار تمراً من يثرب فمات بها وكانت وفاته وهو شاب عند أخواله بنى النجار بالمدينة ولم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة وهو ابن ست سنين وقيل ابن سبع سنين وقال محمد بن حبيب في كتاب المحبر توفيت أمه صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين قال توفي جده عبد المطلب بعد ذلك بسنة وأحد عشر شهراً سنة تسع من أول عام الفيل وقيل إنه توفي جده عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين وقيل بل توفي جده وهو ابن ثلاث سنين فأوصى به إلى أبي طالب فصار في حجر عنه أبي طالب حتى بلغ خمس عشرة سنة وكان أبو طالب يحبه ثم انفرد بنفسه وكان مائلاً إلى عمه أبي طالب لوجاهته في بني هاشم وسنه وكان مع ذلك شقيق أبيه وخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه في تجارة إلى الشام سنة ثلاث عشرة من عام الفيل فرآه بحيرا الراهب فقال احتفظوا به فإنه نبي وشهد بعد ذلك بثمان سنين يوم الفجار وذلك سنة إحدى وعشرين وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد فرآه نسطور الراهب وقد أظلته غمامة فقال هذا نبي وذلك سنة خمس وعشرين وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بعد ذلك بشهرين وخمسة عشرين يوماً في عقب صفر سنة ست وعشرين وذلك بعد خمس وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام من يوم الفيل وقال الزهري كانت سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة‏.‏

وقال أبو بكر بن عثمان وغيره كان يومئذ ابن ثلاثين سنة وقالوا وخديجة يومئذ أربعين سنة ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيان الكعبة وتراضت قريش بحكمه في وضع الحجر الأسود بعد ذلك بعشر سنين وذاك سنة ثلاث وثلاثين‏.‏

قال أبو عمر رضى الله عنه لو صح هذا لكانت سن خديجة يوم تزوجها خمساً وأربعين سنة وقال محمد بن جبير بن مطعم بنيت الكعبة على رأس خمس وعشرين سنة من عام الفيل وقيل بل كان بين بنيان الكعبة وبين مبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين ثم نباه الله تعالى وهو ابن أربعين سنة وكان أول يوم أوحى الله تعالى إليه فيه يوم الاثنين فأسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ثلاث سنين أو نحوها ثم أمره الله تعالى بإظهار دينه والدعايا إليه فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه وقال الشعبي أخبرت أن إسرافيل تراءى له ثلاث سنين‏.‏

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسمعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين ووكل به إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين ثم وكل به جبرائيل عليه السلام‏.‏

قال وأخبرنا أحمد بن حنبل قال حدثنا هشيم قال حدثنا داود ابن أبي هند عن الشعبي قال نبىء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله قال ثم بعث إليه جبريل عليه السلام بالرسالة‏.‏

قال وأخبرنا أحمد بن حنبل قال حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي قال نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه السلام فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة‏.‏

وقيل كان مبعثه صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة وشهرين وعشرة أيام وقيل بل كان مبعثه صلى الله عليه وسلم لتمام أربعين سنة من مولده يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة أربعين وممن قال إنه عليه السلام نبي وهو ابن أربعين سنة عبد الله بن عباس ومحمد بن جبير بن مطعم وقباث بن أشيم وعطاء وسعيد ابن المسيب وأنس بن مالك وهو الصحيح عند أهل السير وأهل العلم بالأثر فلما دعا قومه إلى دين الله نابذوه فأجاره عمه أبو طالب ومنع منه قريشاً لأنهم أرادوا قتله لما دعاهم إليه من ترك ما كانوا عليه وآباؤهم ومفارقته لهم في دينه وتسفيه أحلامهم في عبادة أصنام لا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع فلم يزل في جوار عمه أبي طالب إلى أن توفي أبو طالب وذلك في النصف من شوال في السنة الثامنة وقيل العاشرة من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وحصرت قريش النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بني هاشم ومعهم بنو المطلب في الشعب بعد المبعث بست سنين فمكثوا في ذلك الحصار ثلاث سنين وخرجوا منه أول سنة خمسين من عام الفيل‏.‏

وتوفي أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر وتوفيت خديجة بعده بثلاث أيام وقد قيل غير ذلك وولد عبد الله بن عباس رضي الله عنه في الشعب قبل خروج بني هاشم منه وقيل إنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وكان ابن ثلاث عشرة سنة يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو طالب قد أسلم ابنه علياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه ومن كان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال فانطلق بنا لنخفف عنه من عياله فقال نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقال له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى يكشف الله عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فضمه إليه وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه فلم يزل علي رضى الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ابتعثه الله نبياً وحتى زوجه من ابنته فاطمة على جميعهم الصلاة والسلام‏.‏

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة على اختلاف في ذلك وقد ذكرناه‏.‏

وكان موتها بعد موت عمه بأيام يسيرة قبل ثلاثة أيام وقيل سبعة وقيل كان بين موت أبي طالب وموت خديجة شهر وخمسة أيام وتوفي أبو طالب وهو ابن بضع وثمانين سنة وتوفيت خديجة وهي ابنة خمس وستين سنة فكانت مصيبتان توالتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفاة عمه ووفاة خديجة رضى الله عنها وقيل توفيت خديجة بعدما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع وعشرين سنة وستة أشهر وأربعة أيام قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف شهر‏.‏

وفي عام وفاة خديجة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة وعائشة ولم يتزوج على خديجة حتى ماتت رضى الله عنها وكانت وفاة أبي طالب وخديجة قبل الهجرة بثلاث سنين حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن الأعلى الصنعاني قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأخبرنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن القاسم بن معروف قال حدثنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا يحيى ابن معين قال حدثنا هاشم بن يوسف عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه ولفظهما والمعنى سواء قال لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل بن هشام وعبد الله ابن أبي أمية فقال‏:‏ ‏"‏ يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ‏"‏‏.‏

فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا به حتى كان آخر شيء تكلم به على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ‏"‏‏.‏

فنزلت‏:‏ ‏"‏ وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد أن تبين لهم ‏"‏‏.‏

التوبة‏:‏ 113‏.‏

إلى آخر الآية ونزلت‏:‏ ‏"‏ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ‏"‏‏.‏

القصص‏:‏ 6‏.‏

الآية قال ابن شهاب قال عروة بن الزبير ما زالوا يعني قريشاً كافين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو طالب ولم تمت خديجة فيما ذكر ابن إسحاق وغيره إلا بعد الإسراء وبعد أن صلت الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عمر قال ابن إسحاق وغيره لما توفي أبو طالب وتوفيت خديجة بأيام يسيرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة وطلب منهم المنعة فأقام عندهم شهراً ولم يجد فيهم خيراً ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي قيل كان ذلك سنة إحدى وخمسين من عام الفيل وفيها قدم عليه جن نصيبين بعد ثلاثة أشهر فاسلموا‏.‏

وأسرى به إلى بيت المقدس بعد سنة ونصف من حين رجوعه إلى مكة من الطائف سنة اثنتين وخمسين وقد ذكرنا الاختلاف في تاريخ الإسراء في كتاب التمهيد عند ذكر فرض الصلاة والحمد لله‏.‏

قال ابن شهاب عن ابن المسيب عرج به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وإلى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة وقال غيره كان بين الإسراء إلى اليوم الذي هاجر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وشهران وذلك سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل‏.‏

قال أبو عمر قال ابن إسحاق وغيره مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بمكة إلى أن أذن الله له بالهجرة داعياً إلى الله صابراً على أذى قريش وتكذيبهم له إلا من دخل في دين الله منهم واتبعه على ما جاء به ممن هاجر إلى أرض الحبشة فاراً بدينه ومن بقي بمكة في منعة من قومه حتى أذن له الله بالهجرة إلى المدينة وذلك بعد أن بايعه وجوه الأوس والخزرج بالعقبة على أن يؤووه وينصروه حتى يبلغ عن الله رسالته ويقاتل من عانده وخالفه فهاجر إلى المدينة وكان رفيقه إليها أبو بكر الصديق رضى الله عنه لم يرافق غيره من أصحابه وكان يخدمهما في ذلك السفر عامر بن فهيرة وكان مكثه بمكة بعد أن بعثه الله عز وجل ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وقيل خمس عشرة سنة والأول أكثر وأشهر عند أهل السير‏.‏

ثم أذن الله له بالهجرة إلى المدينة يوم الاثنين فخرج معه أبو بكر إليها وكانت هجرته إلى المدينة في ربيع الأول وهو ابن ثلاث وخمسين سنة وقدم المدينة يوم الاثنين قريباً من نصف النهار في الضحى الأعلى لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول هذا قول ابن إسحاق وقال ابن إسحاق وغيره كانت بيعة العقبة حين بايعته الأنصار في أوسط أيام التشريق في ذي الحجة وكان مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد العقبة بشهرين وليال وخرج لإهلال ربيع الأول وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت منه‏.‏

قال أبو عمر وقد روى عن ابن شهاب أنه قدم المدينة لهلال ربيع الأول وقال عبد الرحمن بن المغيرة قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى وقال الكلبي خرج من الغار ليلة الاثنين أول يوم من ربيع الأول وقدم المدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت منه‏.‏

قال أبو عمر وهو قول ابن إسحاق إلا في تسمية اليوم فإن ابن إسحاق يقول يوم الاثنين والكلبي يقول يوم الجمعة واتفقا لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وغيرهما يقول لثمان خلت منه فالاختلاف في تاريخ قدومه المدينة كما ترى‏.‏

قال ابن إسحاق فنزل علي أبي قيس كلثوم بن الهدم بن امرىء القيس أحد بني عمرو بن عوف فأقام عنده أربعة أيام وقيل بل كان نزوله في بنى عمرو ابن عوف على سعد بن خثيمة والأول أكثر فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجدهم وخرج من بني عمرو بن عوف منتقلاً إلى المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم فصلاها في بطن الوادي ثم ارتحل إلى المدينة فنزل على أبي أيوب الأنصاري فلم يزل عنده حتى بنى مسجده في تلك السنة وبنى مساكنه ثم انتقل وذلك في السنة الأولى من هجرته‏.‏

وقال غير ابن إسحاق نزل في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم إلى الجمعة ثم خرج عندهم غداة يوم الجمعة على راحلته معه الناس حتى مر ببني سالم لوقت الجمعة فجمع بينهم وهي أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم ركب لا يحرك راحلته وهو يقول دعوها فإنها مأمورة فمشت حتى بركت في موضع مسجده الذي أنزله الله في بني النجار فنزل عشية الجمعة سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل ومن مقدمة المدينة أرخ التاريخ في زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه تلك السنة وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد ذلك بخمسة أشهر وبعث عمه حمزة في جمادى الأولى فكان أول من غزا في سبيل الله وأول من عقدت له راية في الإسلام خرج في ثلاثين راكباً إلى سيف البحر فلقوا أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة من قريش فحجز بينهم رجل من جهينة فافترقوا من غير قتال ثم بعث عبيدة بن الحارث في خمسين راكباً يعارض عيراً لقريش فلقوا جمعاً كثيراً فتراموا بالنبل ولم يكن بينهم مسايفة‏.‏

وقيل إن سرية عبيدة كانت قبل سرية حمزة وفيها رمى سعد وكان أول سهم رمي في سبيل الله وقيل أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش والأول أصح والله أعلم‏.‏

والأكثر على أن سرية عبد الله بن جحش كانت في سنة اثنتين في غرة رجب إلى نخلة وفيها قتل ابن الحضرمي لليلة بقيت من جمادى الآخرة ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكفر من العرب وبعث إليهم السرايا وكانت غزواته بنفسه ستاً وعشرين غزوة هذا أكثر ما قيل في ذلك‏.‏

وكانت أشرف غزواته وأعظمها حرمة عند الله وعند رسوله وعند المسلمين غزوة بدر الكبرى حيث قتل الله صناديد قريش وأظهر دينه وأعزه الله من يومئذ وكانت بدر في السنة الثانية من الهجرة لسبع عشرة من رمضان صبيحة يوم الجمعة وليس في غزواته ما يعدل بها في الفضل ويقرب منها إلا غزوة الحديبية حيث كانت بيعة الرضوان وذلك سنة ست من الهجرة وكانت بعوثه وسراياه خمساً وثلاثين من بين بعث وسرية‏.‏

قال أحمد بن حنبل وغيره عن وكيع عن أبيه وإسرائيل عن أبي إسحاق قال سألت زيد بن أرقم كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تسع عشرة غزوة وغزوت معه سبع عشرة وسبقني بغزوتين واعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر وفي قول من جعله قارناً في حجة أربع عمر وقد بينا ذلك في كتاب التمهيد‏.‏

وافترض عليه الحج بالمدينة وكذلك سائر الفرائض فيما أمر به أو حرم عليه إلا الصلاة فإنها افترضت عليه حين أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وذلك بمكة ولم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة غير حجة الوداع وذلك سنة عشر من الهجرة‏.‏

  زوجاته

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً كثيراً من النساء خص بذلك دون أمته بجمع أكثر خديجة بنت خويلد أول زوجة كانت له لم يجمع قط معها غيرها وسنذكر أخبارها ونسبها وولدها من النبي صلى الله عليه وسلم وكثيراً من فضائلها وخبرها في بابها من كتاب النساء من هذا الديوان وكذلك نذكر كل واحدة منهن في موضع اسمها من ذلك الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم سودة بنت زمعة بن قيس من بني عامر بن لؤي تزوجها في قول الزهري قبل عائشة رضى الله عنها بمكة وبنى لها بمكة في سنة عشر من النبوة‏.‏

وعائشة بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنهما تزوجها بمكة قبل سودة وقيل بعد سودة وأجمعوا على أنه لم يبن بها إلا في المدينة قيل سنة هاجر وقيل سنة اثنتين من الهجرة في شوال وهي ابنة تسع سنين وكانت حين عقد عليها بنت ست سنين وقيل بنت سبع سنين وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنهما تزوجها سنة ثلاث في شعبان‏.‏

وزينب بنت خزيمة وهي من بني عامر بن صعصعه وكان يقال لها أم المساكين تزوجها سنة ثلاث فكانت عنده شهرين أو ثلاثة وتوفيت ولم يمت أحد من أزواجه في حياته غيرها وغير خديجة قبلها‏.‏

وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية واسمها هند تزوجها سنة أربع في شوال‏.‏

وزينب بنت جحش السدية من بني أسد بن خزيمة تزوجها في سنة خمس من الهجرة في قول قتادة وخالفه غيره على ما نذكره في بابها من كتاب النساء‏.‏

وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية واسمها رملة تزوجها سنة ست وبنى بها سنة سبع زوجه إياها النجاشي واختلف فيمن عقد عليها على ما يأتي به الخبر عند ذكرها في بابها من كتاب النساء إن شاء الله تعالى‏.‏

وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق كانت قد وقعت في سهم ثابت بن قيس وذلك سنة ست وقيل سنة خمس وهم الأكثر والصواب فكاتبها فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابها وتزوجها‏.‏

وميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية من بني هلال بن عامر بن صعصعه نكحها سنة سبع في عمرة القضاء على حسب ما ذكرناه في بابها من كتاب النساء إن شاء الله‏.‏

وصفية بنت حيي بن أخطب اليهودي وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرؤس اختلفوا في عددها وأعتقها وتزوجها وذلك سنة سبع‏.‏

فهؤلاء أزواجه اللواتي لم يختلف فيهن وهن إحدى عشرة امرأة منهن ست من قريش وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون وأربع من سائر العرب وتوفي في حياته منهم اثنتان خديجة بنت وأما اللواتي أختلف فيهن ممن ابتنى بها وفارقها أو عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يتم له العقد منها فقد اختلف فيهن وفي أسباب فراقهن اختلافاً كثيراً يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن وقد ذكرنا جميعهن كل واحدة منهن في بابها من كتاب النساء من كتابنا هذا والحمد الله وحده‏.‏

  مرضه ووفاته

ثم بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة في بنت ميمونة ثم انتقل حين اشتد وجعه إلى بيت عائشة وكان صلى الله عليه وسلم قد ولد يوم الاثنين ونبيء يوم الاثنين وخرج من مكة مهاجراً يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين وقبض صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ضحى في مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ودفن صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس وقيل بل دفن صلى الله عليه وسلم ليلة الأربعاء‏.‏

ذكر إبن إسحاق قال حدثتني فاطمة بنت محمد عن عمرة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساجي من جوف الليل ليلة الأربعاء وصلى عليه علي والعباس رضى الله عنهما وبنو هاشم ثم خرجوا ثم دخل المهاجرون ثم الأنصار ثم الناس يصلون عليه أفذاذاً لا يؤمهم أحد ثم النساء والغلمان‏.‏

وقد أكثر الناس في ذكر من أدخله قبره وفي هيئة كفنه وفي صفة خلقه وخلقه وغزواته وسيره مما لا سبيل في كتابنا إلى ذكره وإنما أجرينا من ذكره صلى الله عليه وسلم هاهنا لمعاً يحسن الوقوف عليها والمذاكرة بها تبركاً بذكره في أول الكتاب والله الموافق للصواب وأصح ذلك أنه نزل في قبره العباس عمه وعلي رضى الله عنهما معه وقثم بن العباس والفضل بن العباس ويقال كان أوس بن خولي وأسامة بن زيد معهم وكان آخرهم خروجاً من القبر قثم بن العباس وكان آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك ابن عباس وغيره وهو الصحيح وقد ذكر عن المغيرة بن شعبة في ذلك خبر لا يصح أنكره أهل العلم ودفعوه وألحد له صلى الله عليه وسلم وبنى في قبره اللبن يقال تسع لبنات وطرح في قبره سمل قطيفة كان يلبسها فلما فرغوا من وضع اللبن أخرجوها وأهالوا التراب على لحده وجعل قبره مسطوحاً ورش عليه الماء رشاً‏.‏

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة بن قدامة عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما صدق نبي ما صدقت وإن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا رجل واحد ‏"‏‏.‏

وأما فضائله وأعلام نبوته فقد وضع فيها جماعة من العلماء وجمع كل منا ما انتهت إليه روايته ومطالعته وهي أكثر من أن تحصى الحمد لله‏.‏

  مراثي الرسول صلى الله عليه وسلم

وما رثي به صلى الله عليه وسلم قول صفية عمته قال الزبير حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال حدثني أبي عبد الله بن مصعب قال رويت عن هشام بن عروة لصفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألا يا رسول الله كنت رجاءنا وكنت بنا براً ولم تك جافيا وكنت رحيماً هادياً معلماً لبيك عليك اليوم من كان باكيا لعمرك ما أبكى النبي لفقده ولكن لما أخشى من الهرج آتيا كأن على قلبي لذكر محمد وما خفت من بعد النبي المكاويا أفاطم صلى الله رب محمد على جدث أمسى بيثرب ثاويا فدى لرسول الله أمي وخالتي وعمي وآبائي ونفسي وماليا فلو أن رب الناس أبقى نبينا سعدنا ولكن أمره كان ماضيا عليك من الله السلام تحية وأدخلت جنات من العدن راضيا أرى حسنا أيتمته وتركته يبكي ويدعو جده اليوم نائيا وكان له صلى الله عليه وسلم أسماء وصفات جاءت عنه في أحاديث شتى بأسانيد حسان قال أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الذي ختم الله بي النبوة وأنا العاقب فليس بعدي نبي وأنا المقفى بعد الأنبياء كلهم ونبي التوبة ونبي الرحمة ونبي الملحمة ويروى الملاحم جاء هذا كله في آثار شتى من وجوه صحاح وطرق حسان وكان يكنى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم لا خلاف في ذلك صلى الله عليه وسلم‏.‏

حدثنا يعيش بن سعيد وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن صبغ قال حدثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم حدثنا أبو يعقوب الحنيني عن داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ تسموا باسمي ولا تكونوا بكنيتي فإني أنا أبو القاسم ‏"‏‏.‏

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثنا محمد بن يسار قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي فإنما أنا أبو القاسم الله يعطي وأنا أقسم ‏"‏‏.‏

  أولاده صلى الله عليه وسلم

وأما ولده صلى الله عليه وسلم فكلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية وولده من خديجة أربع بنات لا خلاف في ذلك أكبرهن زينب بلا خلاف وبعدها أم كلثوم وقيل بل رقية وهو الأولى والأصح لأن رقية تزوجها عثمان قبل ومعها هاجر إلى أرض الحبشة ثم تزوج بعدها وبعد وقعة بدر أم كلثوم وسيأتي ذكر كل واحدة منهن في بابها من كتاب النساء في هذا الديوان إن شاء الله تعالى وقد قيل إن رقية أصغرهن والأكثر والصحيح أن أصغرهن فاطمة رضى الله عنها وعن جميعهن‏.‏

واختلف في الذكور فقيل أربعة القاسم وعبد الله والطيب والطاهر‏.‏

وقيل ثلاثة ومن قال هذا قال عبد الله سمي الطيب لأنه ولد في الإسلام ومن قال غلامان قال القاسم وبه يكنى صلى الله عليه وسلم وعبد الله قيل له الطيب والطاهر لأنه ولد بعد المبعث وولد القاسم قبل المبعث ومات القاسم بمكة قبل المبعث وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك وسمينا القائلين في باب خديجة من كتاب النساء من هذا الديوان والحمد لله‏.‏

حدثنا أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد قراءة مني عليه أن محمد بن عيسى حدثهم قال‏:‏ حدثنا يحيى بن أبي أيوب بن بادي العلاف قال‏:‏ حدثنا محمد بن أبي السرى العسقلاني قال حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة عن عطاء الخرساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمداً صلى الله عليه وسلم قال يحيى بن أيوب وما وجدنا هذا الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري‏.‏

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً من حديث عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوناً مسروراً يعني مقطوع السرة فأعجب بذلك جده عبد المطلب وقال ليكونن لبني هذا شأن عظيم وليس إسناد حديث العباس هذا بالقائم وفي حديث ابن عباس عن أبي سفيان في قصته مع هرقل وهو حديث ثابت من جهة الإسناد دليل على أن العرب كانت تختن وأظن ذلك من جهة مجاورتهم في الحجاز ليهود والله أعلم‏.‏

  سنه صلى الله عليه وسلم يوم مات

فقيل ستون سنة روى ذلك ربيعة وأبو غالب عن أنس بن مالك وهو قول عروة بن الزبير ومالك ابن أنس وقد روى حميد عن أنس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة ذكره أحمد بن زهير عن المثنى بن معاذ عن بشر بن المفضل عن حميد عن أنس وهو قول دغفل بن حنظلة السدوسي النسابة ورواه معاذ عن هشام عن قتادة عن أنس ورواه الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة ولم يدرك دغفل النبي صلى الله عليه وسلم قال البخاري ولا نعرف للحسن سماعاً من دغفل قال البخاري وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة قال البخاري ولا يتابع عليه عن ابن عباس إلا شيء رواه العلاء بن صالح عن المنهال عن سعيد بن جبير عن إبن عباس رضى الله عنهما‏.‏

قال البخاري‏:‏ وروى عكرمة وأبو سليمان وأبو ظبيان وعمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة‏.‏

قال أبو عمر رضي الله عنه قد تابع عمار بن أبي عمار على روايته المذكورة عن ابن عباس رضى الله عنهما يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما في خمس وستين والصحيح عندنا رواية من روى ثلاثاً رواه عن ابن عباس من تقدم ذكر البخاري لهم في ذلك ورواه كما رواه أولئك ممن ذكره البخاري أبو حمزة ومحمد بن سيرين ومقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين ولم يختلف عن عائشة أنه توفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وهو قول محمد بن علي وجرير بن عبد الله البجلي وأبي إسحاق السبيعي ومحمد بن إسحاق‏.‏

أخبرنا خلف بن قاسم بن سهل قال حدثنا عبد الله بن جعفر عن محمد بن الورد قال حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف وأحمد بن حماد قالا حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث بن سعد قال حدثني خالد بن يزيد عن سعد بن أبي هلال عن هلال بن سلمة عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن سلام أنه كان يقول إنا لنجد صفة صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏"‏ إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ‏"‏‏.‏

وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لست بفظ ولا غليظ ولا صاخب في الأسواق ولا تجزي بسيئة مثلها ولكن تعفوا وتتجاوز ولن أقبضك حتى أقيم بك الملة العوجاء بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله أفتح بك أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً قال عطاء بن يسار وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعب الحبار يقول مثل ما قال عبد الله بن سلام رضى الله عن جميعهم‏.‏